كثيرة هي الكتب والفلسفات التي درست موضوع الجمال منذ ما قبل أفلاطون وأرسطو في العصر اليوناني وحتى كروتشه والوجوديين والاتجاه الرمزي في العصر الحديث. وقد عُنيت هذه الكتب بتناقل الأفكار الأساسية ومقولاتها في علم الجمال، مع بعض فروق وميزات بين هذه الفلسفة أو تلك. ويأتي كتاب الفيلسوف الإنجليزي الأصل، الأمريكي الجنسية ولتر ستيس من بين أهم هذه الكتب المتميزة بالجدة ووضوح النظرة في الحديث عن طبيعة الجمال ومعناه. فمؤلفه لا يقف عند علم الجمال في تسلسله التاريخي لاستعراض آراء فلاسفته ومفكريه، بل لا يعنيه أن يتناول هذا العلم بدراسة طولية (تاريخية متسلسلة) إنما بدراسة عرضية تتوقف عند قضايا وإشكاليات أساسية فيه، بغية نقدها والخروج بصياغة جديدة تصحح مفاهيم سابقة وتضفي عليها بما يجعل من مجمل التصور الحاصل نظرية في الأستطيقا.
وتبدأ هذه الإشكاليات في رأي ستيس من التسمية ذاتها، إذ إن مصطلح (الأستطيقا) الذي يعني في أصل مدلوله اليوناني الإدراك الحسي أو المعرفة الحسية، والذي أصبح يترجم على أنه علم الجمال، يعد مصطلحاً فضفاضاً أكثر مما ينبغي، فعلم الجمال أوسع كثيراً في مدلوله من الأستطيقا، الذي ربما كان من الأفضل أن يقتصر على مفهوم الجمال الفني وحده.
ولعل أهم ما يعالجه الكتاب من قضايا ومشكلات هو ما يتعلق بالطابع الإدراكي لما هو جميل. فالإدراكات نوعان: إدراكات خارجية وأخرى داخلية، الأولى هي إدراك الأشياء المادية عن طريق الحواس، والثانية إدراك داخلي عن طريق التأمل الذاتي أو الاستبطان. ومن المسلم به في رأيه، أن موضوعات الإدراكات الأولى، مثل: الوردة والتمثال والمرأة واللوحة.. يمكن أن تكون جميلة، لكن هل يمكن للإدراكات الداخلية (المجردة) أن تكون جميلة أيضاً، مثل الإرادة والانفعال والنفس والروح..؟ إذ كيف يمكن لهذه الموضوعات أن توصف بأنها جميلة؟ إن الجمال عند ستيس هو مزج الإدراك الحسي بالإدراك العقلي، بل إن كل موضوع جميل مدرك، أو هو سلسلة أو مجال من المدركات. وهذا ما يشكل الفارق الجوهري بين الفن من ناحية والعلم والفلسفة من ناحية أخرى. لأن العلم والفلسفة يهتمان بالتصورات والمفاهيم، وهما نتاج للعقل التصوري. أما الفن فهو مدرك حسي وعقلي معاً. وينطلق ستيس في ذلك من أن فهم الجمال هو عملية معرفية، فهو ليس انفعالاً ولا فعلاً إرادياً. فإذا كان عمل الفنان عندما ينحت تمثالاً أو يرسم لوحة فعلاً إرادياً، فإن الفهم الخالص للجمال هو عملية إدراك واع، وليس فعلاً من أفعال الإرادة. وإذا كانت التجربة الجمالية شعوراً فإن ذلك لا يعني أنها انفعال، وإنما الشعور هنا هو فعل معرفي. وإذا كانت التجربة الجمالية عملية إدراك فهي إذاً عملية معرفية، والجانبان (الإدراك الحسي والتصور العقلي) ينصهران معاً في أية معرفة. ومن هنا ينفي ستيس أن يكون الجمال مجرد حدس أو إدراك حسي فحسب، كما ردد فلاسفة الجمال طويلاً، ولا سيما برجسون وكروتشه، وإلا اشترك معنا الحيوان في إدراك الجمال. وعلى الرغم من أن هيجل كان قد رأى أن الجمال هو الإشعاع الروحي للفكرة من خلال الموضوعات الحسية، فكل جميل يتألف من عنصري الفكرة والشكل الحسي الذي تشع من خلاله، إلا أن ستيس - وإن كان يتفق معه - يخالفه عندما يرفض فكرة الروح في المطلق، وكثيراً من الجوانب الميتافيزيقية الهيجلية.
ويصل ستيس إلى تعريف للجمال يقف فيه على ماهيته، ويجعله منطلقاً لصوغ نظريته الجمالية. يقول في التعريف: (الجمال هو امتزاج مضمون عقلي، مؤلف من تصورات تجريبية غير إدراكية، مع مجال إدراكي، بطريقة تجعل من هذا المضمون العقلي وهذا المجال الإدراكي لا يمكن أن يتميز أحدهما عن الآخر).
في مقابل بحثه عن ماهية الجمال يدرس ستيس ماهية القبح وعلاقته بالفن، في الوقت الذي يمكن أن يتعارض ذلك مع قولنا إن الهدف الوحيد للفن هو الجمال. ويرى ستيس أن مشكلة التعارض ربما نشأت من الاعتقاد بأن القبح هو بالضرورة ضد الجمال، وأن الجمال والقبح في ميدان الأستطيقا هما كالخير والشر في ميدان الأخلاق، وكالصدق والكذب في قضايا المنطق. وأنه إذا كان هدف الفن هو خلق الانطباعات الجمالية، فلا بد أن يتم استبعاد القبح من ميدان الفن، غير أن القبح في رأيه لا يمكن أن يستبعد من العمل الفني، بل إنه كثيراً ما كان قوة إضافية لهذا العمل، وعاملاً مهماً في إثارة متعة جمالية. وبالتالي فإن نظرية ستيس في القبح تقوم على اعتباره نوعاً من الجمال لا نقيضاً له، وسوف ينسجم هذا الاعتبار مع اعتبار آخر عند ستيس يرى في الجمال الأستاطيقي ما يشمل كلاً من الجليل والهجائي والمخيف والكوميدي.. والسمة الجديدة الوحيدة في نظريته هي تأكيده أن القبيح يؤدي إلى انطباع جمالي، يمكن أن يكون جميلاً، بدلاً من الانطباع المؤلم الذي نفترضه عادة، فقبح امرأة أو منظر مستنقع آسن في لوحة لا يجب أن يدفعنا للحكم على اللوحة بالقبح.
ويتحدث المؤلف في فصل تال عما يسميه بتنويعات الجمال، فيرى أن المفروض في نظرية الجمال أن تغطي كل أنواع التجربة الجمالية، سواء وجد الجمال في الطبيعة أو الفن، وسواء أكان الفن من نوع الفنون التشكيلية، التي تعتمد على المكان، كالعمارة والنحت والتصوير، أو الفنون الإيقاعية التي تعتمد أساساً على الزمان كالشعر والموسيقا.. أو الأنواع التي تسمى جميلة أو مأسوية، جليلة أو كوميدية، قبيحة أو مخيفة أو مرعبة.. إن كل هذه التفريعات تعتمد في كل حالة على امتزاج المضمون العقلي مع المجال الإدراكي، وبالتالي فلا مجال لنظريات خاصة بالفنون الجزئية أو تفريعات الجمال. إن ما يسمى بالتنويعات المختلفة للجمال تلقي بظلها الواحدة على الأخرى، على نحو تدريجي غير مدرك، وليس هناك خط حدود واضح بين أي منها، فهي ببساطة كلمات شائعة تستخدم لوصف عدد لا نهاية له من الدرجات الممكنة لشعورنا بالجمال. وفي هذا المجال يرى ستيس أن المنهج المناسب في دراسة الاستاطيقا هو البدء بالافتراضات عن طبيعة الجمال، ثم التحقق من هذه الافتراضات عن طريق تحليل حالات نموذجية للجمال في الطبيعة والفن.
ففي جمال الطبيعة يفرق ستيس بين الجمال الفعلي وبين تلك المشاعر الاستاطيقية، أو مشاعر المتعة التي قد يؤدي إليها كثير من مشاهد الطبيعة، كأشعة الشمس الدافئة، والبرودة في ظل الشجر، والنهار الصحو.. تلك التي يمكن أن تختلط بسهولة مع التجارب الجمالية الأصلية، إذ لا بد أن توضع هذه المشاعر الطبيعية في جانب، وتبقى بعيدة عن الشعور الخالص بالجمال. وينطلق من ذلك إلى تحليل نماذج من أشكال الجمال في الطبيعة، منها ما هو شامل بانورامي، ومنها ما هو فردي جزئي ليصل إلى معالجة أهم القضايا الجمالية فيما يتصل بالجانب الذاتي والجانب الموضوعي في الجمال.
أما في جمال الفن فالإنسان هو الذي يخلق الجميل عندما يشكل مادة خارجية بغرض محدد هو جعلها تعبر عن جانبه العقلي. ومن هنا كان الفن في رأي ستيس هو ميدان الجمال على الأصالة. وعلى حين أن مضمون الجمال الطبيعي هو نسبياً فقير وهزيل، فإن مضمون الفن قد يكون على درجة من الثراء، حتى إنه يجسد في أشكاله المختلفة تقريباً كل الثقافة البشرية. وبالتالي فإن التعريف العام للجمال الذي قدمه ينطبق على منتجات الفن بوضوح أكثر مما ينطبق على أشياء الطبيعة. ومن ثم فإن التعريف القديم للفن بأنه محاكاة للطبيعة لا يبدو تعريفاً له علاقة بالتصور الجديد الذي يؤسس الكاتب له، وهذا ما بات حقيقة في المفاهيم الحديثة في التصوير الفني المعاصر، إذ إن الصور الفوتوغرافية البحتة ليست هدف الفنان، بل الهدف من أي عمل فني هو تلقيح المدركات (الطبيعة) بالأفكار (التصورات)، وهذا ما يصل به إلى أن يعد الفن غاية في ذاته، ومستقلاً عن أية قيم أخلاقية. لا بل إن الفن الذي يكون هدفه مجرد دروس أخلاقية هو فن رديء، لا لأنه يحتوي على مفاهيم أخلاقية، بل لأن هذه المفاهيم الأخلاقية بدلاً من أن تمتزج بالمجال الإدراكي، قد انفصلت عنه عن عمد، لتصبح تصورات حرة أو تجريدات.
ومن خلال الخيط الناظم لنظريته يقدم ستيس ملاحظات حول الفنون الأدبية، ويسميها الفنون الجزئية، متناولاً بالدراسة والتحليل الأشكال الأكثر أهمية وهي: الدراما والرواية والشعر القصصي وشعر الملاحم والبطولات والقصيدة الغنائية. والفروق الطفيفة بينها من حيث تعاملها مع التصوير الفني والموضوع الجمالي. ثم يتبع بتناول الفنون الأدبية الحديث على بقية أنواع الفنون كالموسيقا والنحت وفن العمارة والتصوير.. ليصل إلى بحث مشروعية الأحكام الجمالية في الإثبات والنفي ومدى صوابها أو خطئها، ووجوب اقتران هذه الأحكام في مجال الإدراك بتصورات صحيحة.. إلى آخر ما هنالك من مسائل تعرض في تحليل الجميل والحكم عليه. ويختتم ستيس كتابه بتناول عدد آخر من مشكلات الأستاطيقا كالعبقرية والتذوق والإلهام، ومشكلة الإحساس الأستاطيقي، والجمال النفسي، ومكان الجميل في الحياة.
وينهي المؤلف كتابه القيم بملحق عن كروتشه والأفكار الشائعة عن الحدس، ثم بمعجم بالمصطلحات الفلسفية. وقد كانت ترجمة الكتاب متقنة ودقيقة علمية، قام بها علم من أعلام العمل الفلسفي الأكاديمي هو د. إمام عبد الفتاح إمام، الذي عني بنقل معظم أعمال ولتر ستيس إلى العربية.
وتبدأ هذه الإشكاليات في رأي ستيس من التسمية ذاتها، إذ إن مصطلح (الأستطيقا) الذي يعني في أصل مدلوله اليوناني الإدراك الحسي أو المعرفة الحسية، والذي أصبح يترجم على أنه علم الجمال، يعد مصطلحاً فضفاضاً أكثر مما ينبغي، فعلم الجمال أوسع كثيراً في مدلوله من الأستطيقا، الذي ربما كان من الأفضل أن يقتصر على مفهوم الجمال الفني وحده.
ولعل أهم ما يعالجه الكتاب من قضايا ومشكلات هو ما يتعلق بالطابع الإدراكي لما هو جميل. فالإدراكات نوعان: إدراكات خارجية وأخرى داخلية، الأولى هي إدراك الأشياء المادية عن طريق الحواس، والثانية إدراك داخلي عن طريق التأمل الذاتي أو الاستبطان. ومن المسلم به في رأيه، أن موضوعات الإدراكات الأولى، مثل: الوردة والتمثال والمرأة واللوحة.. يمكن أن تكون جميلة، لكن هل يمكن للإدراكات الداخلية (المجردة) أن تكون جميلة أيضاً، مثل الإرادة والانفعال والنفس والروح..؟ إذ كيف يمكن لهذه الموضوعات أن توصف بأنها جميلة؟ إن الجمال عند ستيس هو مزج الإدراك الحسي بالإدراك العقلي، بل إن كل موضوع جميل مدرك، أو هو سلسلة أو مجال من المدركات. وهذا ما يشكل الفارق الجوهري بين الفن من ناحية والعلم والفلسفة من ناحية أخرى. لأن العلم والفلسفة يهتمان بالتصورات والمفاهيم، وهما نتاج للعقل التصوري. أما الفن فهو مدرك حسي وعقلي معاً. وينطلق ستيس في ذلك من أن فهم الجمال هو عملية معرفية، فهو ليس انفعالاً ولا فعلاً إرادياً. فإذا كان عمل الفنان عندما ينحت تمثالاً أو يرسم لوحة فعلاً إرادياً، فإن الفهم الخالص للجمال هو عملية إدراك واع، وليس فعلاً من أفعال الإرادة. وإذا كانت التجربة الجمالية شعوراً فإن ذلك لا يعني أنها انفعال، وإنما الشعور هنا هو فعل معرفي. وإذا كانت التجربة الجمالية عملية إدراك فهي إذاً عملية معرفية، والجانبان (الإدراك الحسي والتصور العقلي) ينصهران معاً في أية معرفة. ومن هنا ينفي ستيس أن يكون الجمال مجرد حدس أو إدراك حسي فحسب، كما ردد فلاسفة الجمال طويلاً، ولا سيما برجسون وكروتشه، وإلا اشترك معنا الحيوان في إدراك الجمال. وعلى الرغم من أن هيجل كان قد رأى أن الجمال هو الإشعاع الروحي للفكرة من خلال الموضوعات الحسية، فكل جميل يتألف من عنصري الفكرة والشكل الحسي الذي تشع من خلاله، إلا أن ستيس - وإن كان يتفق معه - يخالفه عندما يرفض فكرة الروح في المطلق، وكثيراً من الجوانب الميتافيزيقية الهيجلية.
ويصل ستيس إلى تعريف للجمال يقف فيه على ماهيته، ويجعله منطلقاً لصوغ نظريته الجمالية. يقول في التعريف: (الجمال هو امتزاج مضمون عقلي، مؤلف من تصورات تجريبية غير إدراكية، مع مجال إدراكي، بطريقة تجعل من هذا المضمون العقلي وهذا المجال الإدراكي لا يمكن أن يتميز أحدهما عن الآخر).
في مقابل بحثه عن ماهية الجمال يدرس ستيس ماهية القبح وعلاقته بالفن، في الوقت الذي يمكن أن يتعارض ذلك مع قولنا إن الهدف الوحيد للفن هو الجمال. ويرى ستيس أن مشكلة التعارض ربما نشأت من الاعتقاد بأن القبح هو بالضرورة ضد الجمال، وأن الجمال والقبح في ميدان الأستطيقا هما كالخير والشر في ميدان الأخلاق، وكالصدق والكذب في قضايا المنطق. وأنه إذا كان هدف الفن هو خلق الانطباعات الجمالية، فلا بد أن يتم استبعاد القبح من ميدان الفن، غير أن القبح في رأيه لا يمكن أن يستبعد من العمل الفني، بل إنه كثيراً ما كان قوة إضافية لهذا العمل، وعاملاً مهماً في إثارة متعة جمالية. وبالتالي فإن نظرية ستيس في القبح تقوم على اعتباره نوعاً من الجمال لا نقيضاً له، وسوف ينسجم هذا الاعتبار مع اعتبار آخر عند ستيس يرى في الجمال الأستاطيقي ما يشمل كلاً من الجليل والهجائي والمخيف والكوميدي.. والسمة الجديدة الوحيدة في نظريته هي تأكيده أن القبيح يؤدي إلى انطباع جمالي، يمكن أن يكون جميلاً، بدلاً من الانطباع المؤلم الذي نفترضه عادة، فقبح امرأة أو منظر مستنقع آسن في لوحة لا يجب أن يدفعنا للحكم على اللوحة بالقبح.
ويتحدث المؤلف في فصل تال عما يسميه بتنويعات الجمال، فيرى أن المفروض في نظرية الجمال أن تغطي كل أنواع التجربة الجمالية، سواء وجد الجمال في الطبيعة أو الفن، وسواء أكان الفن من نوع الفنون التشكيلية، التي تعتمد على المكان، كالعمارة والنحت والتصوير، أو الفنون الإيقاعية التي تعتمد أساساً على الزمان كالشعر والموسيقا.. أو الأنواع التي تسمى جميلة أو مأسوية، جليلة أو كوميدية، قبيحة أو مخيفة أو مرعبة.. إن كل هذه التفريعات تعتمد في كل حالة على امتزاج المضمون العقلي مع المجال الإدراكي، وبالتالي فلا مجال لنظريات خاصة بالفنون الجزئية أو تفريعات الجمال. إن ما يسمى بالتنويعات المختلفة للجمال تلقي بظلها الواحدة على الأخرى، على نحو تدريجي غير مدرك، وليس هناك خط حدود واضح بين أي منها، فهي ببساطة كلمات شائعة تستخدم لوصف عدد لا نهاية له من الدرجات الممكنة لشعورنا بالجمال. وفي هذا المجال يرى ستيس أن المنهج المناسب في دراسة الاستاطيقا هو البدء بالافتراضات عن طبيعة الجمال، ثم التحقق من هذه الافتراضات عن طريق تحليل حالات نموذجية للجمال في الطبيعة والفن.
ففي جمال الطبيعة يفرق ستيس بين الجمال الفعلي وبين تلك المشاعر الاستاطيقية، أو مشاعر المتعة التي قد يؤدي إليها كثير من مشاهد الطبيعة، كأشعة الشمس الدافئة، والبرودة في ظل الشجر، والنهار الصحو.. تلك التي يمكن أن تختلط بسهولة مع التجارب الجمالية الأصلية، إذ لا بد أن توضع هذه المشاعر الطبيعية في جانب، وتبقى بعيدة عن الشعور الخالص بالجمال. وينطلق من ذلك إلى تحليل نماذج من أشكال الجمال في الطبيعة، منها ما هو شامل بانورامي، ومنها ما هو فردي جزئي ليصل إلى معالجة أهم القضايا الجمالية فيما يتصل بالجانب الذاتي والجانب الموضوعي في الجمال.
أما في جمال الفن فالإنسان هو الذي يخلق الجميل عندما يشكل مادة خارجية بغرض محدد هو جعلها تعبر عن جانبه العقلي. ومن هنا كان الفن في رأي ستيس هو ميدان الجمال على الأصالة. وعلى حين أن مضمون الجمال الطبيعي هو نسبياً فقير وهزيل، فإن مضمون الفن قد يكون على درجة من الثراء، حتى إنه يجسد في أشكاله المختلفة تقريباً كل الثقافة البشرية. وبالتالي فإن التعريف العام للجمال الذي قدمه ينطبق على منتجات الفن بوضوح أكثر مما ينطبق على أشياء الطبيعة. ومن ثم فإن التعريف القديم للفن بأنه محاكاة للطبيعة لا يبدو تعريفاً له علاقة بالتصور الجديد الذي يؤسس الكاتب له، وهذا ما بات حقيقة في المفاهيم الحديثة في التصوير الفني المعاصر، إذ إن الصور الفوتوغرافية البحتة ليست هدف الفنان، بل الهدف من أي عمل فني هو تلقيح المدركات (الطبيعة) بالأفكار (التصورات)، وهذا ما يصل به إلى أن يعد الفن غاية في ذاته، ومستقلاً عن أية قيم أخلاقية. لا بل إن الفن الذي يكون هدفه مجرد دروس أخلاقية هو فن رديء، لا لأنه يحتوي على مفاهيم أخلاقية، بل لأن هذه المفاهيم الأخلاقية بدلاً من أن تمتزج بالمجال الإدراكي، قد انفصلت عنه عن عمد، لتصبح تصورات حرة أو تجريدات.
ومن خلال الخيط الناظم لنظريته يقدم ستيس ملاحظات حول الفنون الأدبية، ويسميها الفنون الجزئية، متناولاً بالدراسة والتحليل الأشكال الأكثر أهمية وهي: الدراما والرواية والشعر القصصي وشعر الملاحم والبطولات والقصيدة الغنائية. والفروق الطفيفة بينها من حيث تعاملها مع التصوير الفني والموضوع الجمالي. ثم يتبع بتناول الفنون الأدبية الحديث على بقية أنواع الفنون كالموسيقا والنحت وفن العمارة والتصوير.. ليصل إلى بحث مشروعية الأحكام الجمالية في الإثبات والنفي ومدى صوابها أو خطئها، ووجوب اقتران هذه الأحكام في مجال الإدراك بتصورات صحيحة.. إلى آخر ما هنالك من مسائل تعرض في تحليل الجميل والحكم عليه. ويختتم ستيس كتابه بتناول عدد آخر من مشكلات الأستاطيقا كالعبقرية والتذوق والإلهام، ومشكلة الإحساس الأستاطيقي، والجمال النفسي، ومكان الجميل في الحياة.
وينهي المؤلف كتابه القيم بملحق عن كروتشه والأفكار الشائعة عن الحدس، ثم بمعجم بالمصطلحات الفلسفية. وقد كانت ترجمة الكتاب متقنة ودقيقة علمية، قام بها علم من أعلام العمل الفلسفي الأكاديمي هو د. إمام عبد الفتاح إمام، الذي عني بنقل معظم أعمال ولتر ستيس إلى العربية.
الأحد يوليو 18, 2021 10:17 pm من طرف ωa3ooda
» دردشة المنتدى
الجمعة نوفمبر 13, 2020 4:52 pm من طرف yura ♥♥
» اغاني سوفية" قديمه
الأربعاء مايو 08, 2019 7:09 am من طرف قناة أفراح وادي سوف
» اغاني سوفية
الأربعاء مايو 08, 2019 7:02 am من طرف قناة أفراح وادي سوف
» بعد طول غياب قررت ان آمر مجددا على محطة ....
السبت سبتمبر 08, 2018 2:47 pm من طرف ғαdωa
» اشتقت لكم 3>
الإثنين فبراير 12, 2018 9:16 am من طرف ŹyąĐ
» « اُنثَىَ حڪآيتهٌآ [حڪايةٌ ] فٍيُها هِدۊءِ آلٍگۊنٍ ۊفُيها جٍ’ـنُونٍـۂ.¸¸..ღ
السبت أكتوبر 10, 2015 10:26 am من طرف вeвo τen
» Only Chanel
الثلاثاء مايو 21, 2013 8:19 am من طرف ليتوريا
» لـآآتبدئي يومك بشرب الحـليب
الثلاثاء مايو 21, 2013 8:13 am من طرف ليتوريا
» وشْ تقًُولْ لليًُ ببآلكً!
الأحد مايو 12, 2013 6:05 pm من طرف Sky Tears
» كــل عضو يدخل ويكتب اعتراف...
الأحد مايو 12, 2013 5:06 am من طرف aηωaя
» ØūĭЗŢ ĢїŘĻ
الجمعة مايو 10, 2013 11:30 pm من طرف Quiet girl
» Bridal Mask 2012 < مسابقة Team work
الجمعة مايو 10, 2013 6:26 am من طرف B 1 A 4
» Taewoon قائد SPEED يرى Zico قائد Block B منافس له
الجمعة مايو 10, 2013 6:21 am من طرف B 1 A 4
» تقرير عن مسلسل bloody monday
الجمعة مايو 10, 2013 6:15 am من طرف B 1 A 4